افشخنات مصرى

أنا مستغرب إحباط الناس والجماعات والتيارات السياسية في مصر من حكم براءة ممدوح إسماعيل!

صحيح مستغرب جدًا، يعني لو كان القاضي حكم علي ممدوح إسماعيل بالحبس سنة أو اتنين في الحكم الابتدائي كنتم ارتحتم واعتبرتم هذا نصرًا وتصورتم أن هذا عدلاً وروحتم مبسوطين هانئين مهنئين أنفسكم.

ما هذه الخيبة؟

أساسًا الحكم بالحبس في الدرجة الأولي يمكن استدراكه في الثانية بل يمكن عدم تنفيذه من الأصل، فالرجل هارب ومسافر وقاعد في لندن ويدير أعماله القاهرية مستعينا بتكنولوجيا العصر والظهر والمغرب، والذي يريده ممدوح إسماعيل من إعلاميين أو صحفيين أو نواب يدعوهم للندن علي الرحب والسعة للتخطيط السياسي والتخريط الإعلامي، إذن الحكم علي ممدوح إسماعيل لا يعني أي شيء بالمرة ولا تفرق ولا تساوي مثقال حبة من خردل!.

هل تعتقد أن حكمًا علي ممدوح إسماعيل هو بصيص من العدالة في واقع معتم؟ أبدًا فهناك أحكام علي مسئولين سابقين ونواب حاليين هي في الحقيقة مجرد تخلص من حمولة سفينة فساد يتصارع ركابها مع بعضهم وطاقمها مع أنفسهم ويضطر القبطان لإلقاء راكب أو فرد طاقم من حين لآخر من سطح السفينة حتي يضمن لها الهدوء والأمان في خضم الموج الأزرق والأحمر! ثم هناك أحكام معمولة لتلقين البعض داخل دائرة الحكم دروسًا في حدود الحركة وضوابط الطموح وقواعد التنافس ومحدش يقف قصاد القطر!.

إذن الحكم علي ممدوح إسماعيل ليس تحقيقا للعدالة حتي نسعي له ونتمناه ، يعني لو هذه الضجة الكبري والصدمة الهائلة التي حدثت بعد الحكم ببراءة ممدوح إسماعيل أدت إلي إدانته في الاستئناف والحكم عليه بسنة أو بأقل أو بأكثر ، هنا هل ستفرح وتعتقد أن الحق عاد لأصحابه وأن العدالة تحققت؟!

تبقي أنت ـ معلش أسمح لي ـ ساذج تماما وكمان داقق عصافير، لأن الحكم علي ممدوح إسماعيل هو تضحية بالواجهة، بجزء من منظومة تحكم البلد، وهو أمر هامشي ومحدود ولا يمس بيزنس ممدوح إسماعيل في أي شيء ولا مصالح شركائه الذين نعرفهم والذين لا نعرفهم ولن يغير أي شيء علي الإطلاق في شبكة تحالف رجال الأعمال مع رجال الحكم والمسئولين، من خلط البيزنس بالسياسة، من علاقات المصاهرة والمشاركة بين مسئولين في الدولة ورجال أعمال مليارديرات يحتكرون ثروة البلد عن طريق تمويلهم للسياسة ومصاهراتهم أو شراكتهم مع السياسيين أو ربما العمل كواجهات مالية لأموال رجال مسئولين في مواقع أو مناصب، ثم هؤلاء المليارديرات أصبحوا يحكمون عن طريق العضوية القيادية في الحزب الحاكم ثم حصانة ومكانة البرلمان ـ بشقيه شعب وشوري ـ ثم رئاسة لجان تصنع القوانين التي يتم تفصيلها للهوي والمصلحة، ويتواجدون كذلك في مقاعد الوزارة، كون بقي واحد من هؤلاء يغلط غلطة كبيرة ويجيب للمنظومة الكلام والشوشرة فهو أمر مقدور عليه، تهريبه للخارج ثم تنييم القضية ثم تبرئته أو حتي الاتفاق معه علي حكم بالسجن مدة قصيرة يقضيها هاربا أو في سجن فخيم في الداخل وليبقي كل في مكانه ولا كأن حاجة حصلت!

يجد المرء نفسه إذن أمام أزمة ضمير حقيقية حينما نصرخ منزعجين من براءة محاكمة ممدوح إسماعيل، وكأننا نصمم علي محاكمة شخص وليس نظاما، ما هو طول ما إحنا بنحاكم واحدًا منهم اتمسك في عملة سودة ولا اتكعبل في ورطة ويروح ويأتي ألف غيره، وكأن هذا سوف يريح ضمائرنا ونجعلنا نتعايش مع واقعنا باحتمال وبصبر وباستمرار و كأن منتهي آمال المصريين هو التشطر علي البردعة!

ستقول لي وأرواح ألف وأربعمائة مصري غرقوا وماتوا في أكبر مهزلة ومأساة وجريمة «وإن كان ينافسها قتل 63 ألف مصري في حوادث مرور كل عام وأن 44% من الشعب تحت خط الفقر وربع الشعب مريض بفيروس كبدي وفشل كلوي وبلاوي تشابهت علينا» ستقول لي وهؤلاء دمهم في رقبة مين؟ أليس هناك قصاص عادل ينزل علي قتلة هؤلاء الضحايا ، سواء القتل العمد أو القتل بالإهمال أو بالفساد أو بالإفساد؟

أقولك ـ وأنا مثل كل مصري يتمزق كبده حزنا علي هؤلاء الضحايا ـ إنك لو كنت فاكر أن دمهم في رقبة ممدوح إسماعيل فأنت تشارك إذن في قتلهم مرة أخري.. هؤلاء رقبتهم في اللي ورا واللي فوق ممدوح إسماعيل!